بصراحة لا أملك سوى التوجه بالشكر الجزيل، إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن اليوم "القدس" عاصمة للكيان الصهيوني، فهو برأيي يعي تماما ما قام به، فاعتراف رئيس أمريكي بأمر بالغ الخطورة والحساسية كهذا، لم يكن عبثيا على الإطلاق، ولا أظنّ أنّه يسير بعكس خدمة المصالح الأمريكية، وغالب الظن أن هذه الإدارة الأمريكية، قد نجحت ولأوّل مرّة في توريط الكيان الصهيوني في مستنقع الصراع العربي الإسرائيلي، الذي لا حظّ للصهاينة في الخروج منه بسلام.
قُلت هذا الكلام، لأن والدي جمال الدين حبيبي رحمه الله، كتب مقالا في بداية سنة 2011 أكّد من خلاله أن أمريكا تسعى إلى التخلُّص من هيمنة اللوبي الصهيوني، وأنّها تترجى أن تنجح القوى المُعادية للصهاينة في القضاء على هيمنة هذا اللّوبي، وهنا أؤكد أنّني لم أكن أفهم مرامي ومقاصد والدي رحمه الله آنذاك، لكّنّني اليوم مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف أمريكا بأن "القدس" عاصمة لإسرائيل، تأكّدت بشكل يقيني أن أمريكا بدأت بالفعل عملية فكّ الإرتباط مع إسرائيل، وتقديمها على مذبح المصالح، بعكس ما رآه غالبية العرب والمُسلمين، فهذا الإعتراف الصادر من شخص، حتّى وإن كان رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، لا يُمكنه بأي حال من الأحوال أن يُغيّر مجرى التاريخ، لكن هذا الاعتراف بكُلّ تأكيد، هو عُصارة فكر أمريكي، سيُركّز الهجوم على هذا الكيان اللّقيط: الذي اغتصب أراضينا واستباحها، ولا أستبعد أنّ الإدارة الأمريكية، التي ضاقت ضرعا بنُفوذ اللُّوبي الصهيوني، قد تعمّدت بل وخَطّطت في عهد الرئيس ترامب وحتّى قبله، لتفجير الوضع بمنطقة الشرق الأوسط، بدعمها للصهاينة بهذا الشكل الفّظ والمكشوف، لقلب الموازين، بغرض تأليب الرّأي العام العربي والإسلامي على الصهاينة، وبرأيي دائما أن هذه الفرضيّة ليست صادقة مائة بالمائة، بالنظر إلى موازين القوى الراهنة، فالتحاف الشيطاني الأمريكي، ثَبُتت خسارته في مُعادلة الصراع، ليس العربي الإسرائيلي، وإنّما الصراع العربي والإسلامي، ضد قوى الشّر التي عملت على تمزيق وطننا العربي والإسلامي، وعلى رأسها أمريكا والصهاينة، والمُنهزم كالعادة هو من يُقدّم التنازلات، لكن في الحالة العربية هذه، شاء البعض أن يُحوّل حتّى انتصاراتنا إلى انتكاسات، وهنا أقول وأُؤكّد أنّ الإدارة الأمريكية قد اقتنعت أخيرا بأنها أوّل ضحيّة للصهاينة، وكما كتب والدي رحمه الله في سنة 2011 قد يُساعد على تشفير هذا الوضع، حيث كتب يقول: "الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت شبه مستعمرة للُّوبي الصهيوني، لم تعد قادرة على تجويع شعبها لخدمة أقلية قليلة تُمثل هذا اللوبي الصهيوني"، وأُصر هنا على استعادة بعض المقاطع من هذا المقال الهام، لتنوير طريق البحث والتحليل أمام القارئ الكريم، فجمال الدين حبيبي كتب يقول: "فسوريا وكما هو واضح للجميع، استطاعت ليس فقط التحكم في خيوط المؤامرة الخبيثة التي تستهدف أمنها وسلامتها، بل إنها بدأت اليوم تلعب الأوراق البسيطة جدا في معادلة الصراع، ولم تُقرّر بعد إخراج الأوراق الأساسية التي لمّح إليها الرئيس بشار الأسد، والتي ستُحدث زلزالا في كامل منطقة الشرق الأوسط وهي برأيي أوراق عديدة ومتعدّدة، لا يُمكن الإستهانة بها، لأن سوريا وكما قال الرئيس الأسد ليست هي مصر أو ليبيا أو غيرها من البلدان التي تكالبت عليها القوى الإستعمارية، فسوريا ودونما الحديث عن إمكانياتها البشرية والعسكرية، يكفيها موقعها الإستراتيجي، للعب الدور الذي تريده، وقتما شاءت وكيفما شاءت، فهي وبموروثها الحضاري الكبير، مرّت وعبر الأزمنة بالعديد من المحن، ولم تكن تخرج منها إلا منتصرة وأكثر قوة من ذي قبل.... وأبعد ممّا قد يتصوّره البعض، فبكل تأكيد أن دعم إيران وحركات المقاومة يكفي لوحده ليُسقط أية مؤامرة على الشعب السوري... فإن هنالك جهات سوف لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه ما يُخطّط له الغرب، بهدف غلق بحيرة البحر الأبيض المتوسط، ونعني هنا روسيا والصين اللتان استعملتا الفيتو المزدوج والتاريخي ضد قرار إدانة سوريا في مجلس الأمن، وهو الفيتو الذي أسقط كل حسابات الغرب وأمريكا في الماء، فروسيا والصين، تعيان أكثر من أي كان، أن هنالك محاولات عدّة لإغلاق اللعب في بحيرة البحر الأبيض المتوسط، وتعلمان جيّدا أن المنفذ الوحيد المتبقي لهما على هذه الجهة هو سوريا، ولا أظن أن قوّتين عظيمتين، كروسيا والصين ستقبلان باللعب خارج الإطار.... وشخصيا، لا أستبعد والحال كذلك، أن نرى قريبا القاذفات الإستراتيجية الروسية تحوم فوق أجواء سوريا، كما لا أستبعد أن يتحوّل البحر الأبيض المتوسط، إلى مكان لرسو كل البوارج وحاملات الطائرات الغربية والروسية والصينية وغيرها، لأن اللعب اليوم، هو لعب إستراتيجي".
صدّقوني أن هذا الكلام الذي جاء على لسان والدي رحمه الله، لم أكن أتوقع حدوثه آنذاك، وكنت أرى أنه كلام قد يُصيب وقد يخطئ، لكنّني اليوم أمام هذه المرجعية الثاقبة، أقول بأنّ الرئيس الأمريكي ترامب، باعترافه بالقدس عاصمة للصهاينة، قد فتح على كيان الإحتلال هذا، أبواب الجحيم، ولا أتصوّر أن إسرائيل، ستكون قادرة على مواجهة هذا الوضع الجديد، فهي أصلا خطّطت لبناء سياج من الجدران لحماية مُستوطنيها، وعملت المستحيل من أجل إبعاد المقاومة من حدود كيانها المغتصب مع لبنان، لكن سياسة العدوان وإستراتيجية الأمريكان، حوّلتا هذا الكيان إلى بقعة مُسيّجة، محمية بالجُدران، لا غير، وبفعل غُرورها، أوجدت لإيران وحزب الله موطأ قدم على حدود الجولان المُحتل، ما سيُسهّل الهجوم عليها والقضاء عليها ككل.
وبالنسبة لبلدان العُربان، فقد رأت في قرار ترامب، وأداء الدور الذي أملته عليها واشنطن، خير وسيلة لاسترجاع عُذريتها، بالدفاع الوهمي عن فلسطين، لكن إمارات ومملكات العُربان تجاهلت نظرة العرب للمُغتصبة، في عهود وأزمنة الجاهلية، وحتى في الإسلام، فلا أحد يقبل بالتعايش مع من اغتصبت، حيث يقبل بأن تعيش بيننا، لا أن تُهيمن علينا، وبالتالي فإن فُقدان العُربان لعُذريتهم، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نُصلحه كما يريدون، فالعار قد تمّ تسجيله، ولن يمحُوه إلا.... أما إغتصاب أنظمة عربية بشكل كامل، فلا مخرج منه سوى بتصفية هذه الأنظمة وإحالتها إلى مزبلة التاريخ، والحديث قياس. فشكرا للمعتوه ترامب الذي اختصر علينا الزمن والمسافات، والمجهودات، فنحن اليوم أمام هذا الوضع أقرب بكثير من تصفية الصهاينة ومن والاهم ودعّمهم، والأيام بيننا... لأنّ ترامب أعلن برأيي نهاية الدولة الصهيونية، التي ستزول حتّى بدون قتال، لأن الصهاينة لا يُجيدون القتال وإنّما النصب والإحتيال، وهو زمن قد ولّى، برغم تربُّع ترامب على عرش الولايات المتحدة الأمريكية.
زكرياء حبيبي - بنت جبيل.اورغ