وضع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله معادلة جديدة في الحرب المفتوحة مع إسرائيل، قوامها أن سلاح المقاومة يحمي النفط الموجود قبالة الشواطئ اللبنانية. وفي المهرجان الذي أقامه حزب الله في الذكرى الخامسة لانتصار المقاومة في حرب تموز 2006، طالب نصر الله الدولة اللبنانية بتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة قبالة الشواطئ اللبنانية، متوجهاً إلى الشركات والدول التي ترغب في دخول مناقصات للتنقيب عن النفط ليؤكد أن لبنان قادر على حماية منشآتها المستقبلية.
في بداية خطابه الذي ألقاه عبر شاشة بحضور حشد من المواطنين في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية لبيروت مساء أمس، استعاد نصر الله مرحلة عدوان تموز 2006، حين «ثبت المقاومون في الميدان، رغم أنهم لم يكونوا يملكون أي غطاء جوي». في المقابل، «بدأ العدو الإسرائيلي حربه على لبنان بكبرياء وبعنجهية، بعجرفة وثقة زائدة عن اللزوم، رغم أنه كان ما زال يتجرع هزيمة عام 2000 وهزيمة الانسحاب من قطاع غزة أمام المقاومة الفلسطينية وانتفاضة الشعب الفلسطيني. لكن سرعان ما تحول أمام صمود لبنان بكل مكوناته وأمام صمود المقاومين بالتحديد إلى ارتباك وضعف وحيرة وأزمة ثقة بين الجنود والضباط وضباط الصف والجنرالات، وبين قيادة الجيش والحكومة وبين الناس، الشعب الإسرائيلي المحتل لفلسطين والحكومة والجيش».
ولفت نصر الله إلى أن من نتائج حرب تموز ما ظهر في مناورة «نقطة تحول 5» التي أجرتها السلطات الإسرائيلية للجبهة الداخلية، وقرأ فيها أن «القيادة الإسرائيلية تقول للشعب الإسرائيلي إن الجيش الإسرائيلي غير قادر بالوسائل العسكرية، على حماية الجبهة الداخلية. وهو ليس قادراً على إسقاط كل الصواريخ التي سوف تتساقط على الأهداف داخل الكيان، وفي أي حرب جديدة، لم يعد هناك جبهة داخلية وجبهة أمامية، لأن الساحة كلها جبهة، والجبهة الداخلية كلها جزء من الحرب».
وبرأي نصر الله، فإن «الإجراءات العسكرية والأمنية والمناورات لم تستطع أن تعالج أزمة الثقة الموجودة. وبالتالي، بدأ الإسرائيليون بذل جهد إعلامي ونفسي لإعادة ترميم الثقة. ومن جملة هذا العمل في الجانب الإعلامي والسياسي أن بعض الإسرائيليين بدأ يخفف من نتائج حرب تموز ويقدم صورة مختلفة قليلاً. في البداية أجمع الإسرائيليون على أن ما حصل في حرب تموز إخفاق وهزيمة وفشل، وشكلوا لجنة فينوغراد. لكن في الآونة الأخيرة، من أجل تخفيف المصيبة على ناسهم وعلى أنفسهم وعلى شعبهم، بدأوا يبحثون «بالسراج والفتيلة» عن إنجازات للحرب».
وضرب نصر الله مثلاً على هذا الأداء ما قام به الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي نسب للحرب إنجازين: الأول، أن إسرائيل أدخلت الأمين العام لحزب الله إلى الملجأ. أما الثاني، فيتمثل في استطاعة إسرائيل المحافظة على الهدوء على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. وذكّر نصر الله بما كان بيريز قد ذكره مباشرة بعد تأليف لجنة فينوغراد عام 2006، حين قال إن العالم «وقف إلى جانبنا لأننا ضعفاء وليس لأننا محقون، كان هناك شعور بأن إسرائيل ليست ما كانت عليه دائماً (في حرب تموز) فهي غير متألقة وغير مفاجئة وغير إبداعية، ولهذا السبب فقدنا بعضاً من قدرة الردع الدولية ونحن نعد اليوم أضعف مما كنا، لقد فقدنا من قدرتنا الردعية في عيون العرب، وهذا يتجلى في مظاهر نزع المشروعية عن وجود إسرائيل. فقبل هذه الحرب، كان العالم العربي قد سلّم بشكل أو بآخر بوجود إسرائيل، ولكن بعد الحرب بدأ التراجع».
ولفت الامين العام لحزب الله إلى أن مسؤولين إسرائيليين، عسكريين ومدنيين، حاليين وسابقين، يحذرون حكومتهم «من القيام بأي مغامرة من نوع شن الحرب، ويقولون لها إن هذه المغامرة غير معلومة النتائج، بل إن بعضهم يقول بصراحة إن النتائج ستكون كارثية».
وتحدّث نصر الله عن بذل جهد كبير في «جانبنا» من اجل التشكيك في المقاومة، «وفي هذا السياق يأتي أيضاً السعي إلى اتهام المحكمة الدولية مقاومين شرفاء باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، واتهام حزب الله بكم هائل من الافتراءات والأكاذيب». ومن موقع «العارف بالتفاصيل»، قال نصر الله إن «قوة المقاومة اليوم في لبنان على مستوى معنوياتها وتماسكها وشجاعتها وكادرها البشري ومقدراتها المادية هي أعلى وأفضل من أي زمن مضى منذ انطلاقتها. وهذا الأمر يعرف به العدو أيضاً». ولفت إلى لجوء الإسرائيليين إلى استخدام أدبيات المقاومة، بهدف رفع معنويات جمهوره، كالقول إن «إسرائيل تعد اللبنانيين في الحرب المقبلة بالمفاجآت».
ومن منطلق معرفتي «بهذا العدو وبمعرفتي بهذا الشعب وبمعرفتي بهؤلاء المقاومين الأبطال، كما كنت أعدكم بالنصر دائماً أعدكم بالنصر مجدداً، ولذلك أقول للصهاينة: لا تحاولوا الاقتراب من لبنان وتخلّوا عن أحلامكم وأطماعكم فيه وإلى الأبد».
لبنان يحمي نفطه
ثم انتقل نصر الله إلى الحديث عن موضوع الثروة النفطية الموجودة قبالة السواحل اللبنانية، لافتاً إلى أن لبنان هو أمام فرصة «حقيقية وتاريخية لا سابقة لها لأن يصبح بلداً غنياً». وتوقع أن «تبدأ الأمور بنحو جاد، على مستوى المناقصات لشركات تريد أن تكمل الدراسات وأعمال التنقيب» ابتداءً من مطلع عام 2012، إذ إن الحكومة وعدت بإنجاز المراسيم التطبيقية لقانون النفط قبل نهاية العام الجاري. وتحدّث نصر الله بالتفصيل عن المساحة الاقتصادية الخالصة للبنان، البالغة 22500 كلم مربع، من بينها مساحة 850 كلم مربعاً ضمتها إسرائيل ضمن المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة، رغم أن الحكومة اللبنانية تؤكد أنها عائدة للبنان، علماً بأن هذه المساحة «فيها ثروة نفطية بمليارات الدولارات». ورأى نصر الله أن استخراج النفط سيمثّل حلاً للمشكلات الاقتصادية والمعيشية التي يعانيها الشعب اللبناني. اما على المستوى الإجرائي، فلفت إلى أن المقاومة ترى «أن ترسيم الحدود البحرية هو مسؤولية الدولة. وبالتالي نحن المقاومة ليس لنا رأي بهذا الأمر. لا (رأي) فنياً ولا تقنياً ولا نتدخل بهذا الموضوع». و«عندما ترسم الدولة اللبنانية أو تعد منطقة ما أو مساحة ما من المياه الاقليمية بأنها مياه إقليمية لبنانية، تتصرف المقاومة» على هذا الأساس.
وعبّر الأمين العام لحزب الله عن ثقته الكاملة «بالحكومة الحالية التي لن تفرّط ولن تضيّع ولن تتسامح بأي حق من حقوق لبنان في مياه الإقليمية ولا في ثروته النفطية، مهما تكن الضغوط والمخاوف». ودعا في الوقت عينه هذه الحكومة إلى الإسراع في الخطوات التنفيذية التي تؤدي إلى البدء بالتنقيب عن النفط واستخراجه.
ووجّه نصر الله خطابه إلى «الدول أو الحكومات أو الشركات التي تريد أن تأتي وتعرض مناقصات مع لبنان وتبدأ بالتنقيب عن النفط واستخراجه حيث لبنان هذا قادر على حماية هذه الشركات ومنشآت النفط أو الغاز. وهو قادر لأن من يمكن أن يعتدي على هذه المنشآت لديه منشآت نفط وغاز. ومن يمس المنشآت المستقبلية للنفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية ستمس منشآته، وهو يعلم أن لبنان قادر على ذلك».
ولفت نصر الله إلى أن لبنان أمام فرصة سياسية ودبلوماسية لاستعادة المنطقة التي اعتدت عليها إسرائيل، محذراً «الإسرائيلي من أن يمد يده إلى هذه المنطقة ومن القيام بأي عمل يؤدي إلى سرقة ثروات لبنان من مياه لبنانية». ودعا الحكومة اللبنانية إلى ترتيب الأولويات، من خلال استقدام شركات للتنقيب عن النفط في المناطق الآمنة، بعيداً عن المساحة التي ضمتها إسرائيل إلى المياه الإقليمية الخاضعة لسيطرتها، وبذل كل جهد سياسي وقانوني لاستعادة هذه المساحة وبسط سيطرة الدولة عليها. ودعا الشعب اللبناني «كله إلى مواكبة الحكومة ودعمها في هذا الاستحقاق الوطني الكبير».
جيل جديد و«جنس لطيف»
أحمد محسن
لم يتعب بائع «الهوت دوغ». لم يكلّ ولم يملّ في محله الصغير، على زاوية الطريق المؤدية إلى الملعب. منذ السابعة وهو منهمك في تصريف بضاعته لزبائن ملعب الراية. الزوار كثر أمس. الضاحية منطقة مغلقة. فالحزب، في مناسبات مماثلة يتخذ إجراءات صارمة، تقفل خلالها التقاطعات المؤدية إلى ساحة الاحتفال بثلاثة أنواع من العوائق. العائق الأبرز بشري، يتمثل بمئات الشبان من عناصر الانضباط. ينظم هؤلاء حركة الخارجين والداخلين بدقة رهيبة. هادئو الملامح والتصرفات. لا تصدر عنهم أية انفعالات، إلا نادراً. وبعد سنوات خمس، يبدو لافتاً أن جيلاً جديداً، في الحزب، وفي الانضباط، أخذ مكانه. بين هؤلاء العناصر، يمكن أن تجد الشاب التقليدي في حزب الله: لحية طويلة، وثياب سوداء، مع «تبكيل» كل أزرار القميص إضافةً إلى الخواتم. ويمكن أيضاً أن يكون إلى جانبه زميل له، سرّح شعرَه الطويل لتوه، مرتدياً «تي شيرت» على الموضة، وبنطلوناً واسعاً. المهم في الأمر، أن الجامع لهما، كليهما، ما زال «الانضباط». يكاد العثور على عنصر غير منضبط في حزب الله يبدو أمراً مستحيلاً.
كان حجم مجسمات الصواريخ، المثبتة إلى جانب المنصة الرئيسة، حيث يقف عريف الحفل، أكبر مما كانه في السنوات الماضية. يمكن المتابع لمهرجانات حزب الله أن يلحظ ذلك بسهولة. كبرت الصواريخ. لا «كاتيوشا» بعد اليوم. على المنصة، «رعد» أو أكبر. وربما يفسر العرض العسكري الذي بثه المنظمون، على الشاشة عينها، التي يطل منها الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، حجم الصواريخ. المقصود، هذه المرة، في الذكرى الخامسة لحرب تموز، هو التركيز على بقاء السلاح، ما دامت فلسطين ليست فلسطين، والعدو الاسرائيلي كياناً قائماً على الحدود. وإلى الصواريخ، هناك ما هو جديد، في عريف الحفل نفسه. صاحب المقولة الشهيرة «جاهزون في كل ساح، لن نترك السلاح»، والمعروف بصوته الجهوري، ارتدى هذه المرة بزة عسكرية، وأخذته حماسته إلى رفع سلاح حربي، من نوع كلاشنيكوف حين قال لازمته. وكما في كل مرة، تفاعل الحشد معه، لا لأن الجملة أثارت حماستهم. ببساطة، كان التفاعل، وكما في كل مرة، نتاج اللحظة التي تنتاب جمهور المقاومة، حين يطل السيد ليحييهم، ولو من خلف شاشة.
هذا احتفال خاص جداً. هناك الزائر الخليجي الذي أتى يحتفل بالنصر. وهناك النازح الجنوبي الذي نزح في تموز 2006 إلى العاصمة، وأمس نزح إلى الضاحية الجنوبية ليحتفل. وهناك المغتربون أيضاً. ثمة من أتى من نيجيريا ومن الدوحة. وهذا احتفال خاص، ومميز، لأن في الصف الأول، من الجهة المخصصة للإناث، ستجد ما لا يشبه الصورة النمطية عن حزب الله. شقراوات وصبايا بـ«فول مايك آب»، كن، كما في كل مرة، يصرخن بصوتهن الناعم: «أبو هادي أبو هادي». صوت، بدا ألطف مما هو عليه فعلاً، بالمقارنة مع الانفجارات التي تخللت العرض، والذي تشكلت لقطاته من مزيج فريد، لمشاهد حية، خلال معارك المقاومة على مدى ثلاثة عقود، ومشاهد أخرى من فيلم «الرسالة» للمخرج الشهير مصطفى العقاد، الذي اغتاله متشددون في الأردن قبل عامين.