أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

أهالي رومية بين خيارين: ملعب غولف أو غابة باطون

غابة الصنوبر في رومية لم تعد خياراً متاحاً لأبناء تلك البلدة، الذين باتوا أمام خيارين لا ثالث لهما في رأيهم: إما أن تتحول إلى «غابة باطون»، أو أن يقبلوا مشروع اقامة ملعب غولف مكانها. يبدو أن كفّة ميزان أهالي رومية تميل أكثر إلى الثاني. بعضهم يصفه بأنه «خطوة طموحة». وبعضهم لا ينظر فقط إلى النتائج البيئية للمشروع، بل إلى أثره في أسعار العقارات. الوجهتان متكاملتان إلى حدّ ما.

 

يتخوّف أبناء رومية من أن يصبح مصير بلدتهم مماثلا لمصير البلدات المجاورة كالمنصورية وعين سعادة، وللبلدات المقابلة مثل بصاليم وبياقوت. رومية تمكنت من الحفاظ على أجواء القرية التقليدية خلافاً للبلدات المذكورة التي تحوّلت خلال سنوات قليلة إلى كتل باطونية لمشاريع سكنية. «كل البلدات القريبة من بيروت تغيّرت، ونحن لا نريد أن تلقى رومية المصير ذاته» يقول رئيس البلدية لويس بو حبيب. ويوضح أن «الأهالي فرحوا كثيراً بمشروع ملعب الغولف نظراً لكونه مختلفا عن المشروع السكني الذي كانت تُعدّ له إحدى الشركات السعودية منذ بضع سنوات بعدما حظي بموافقة مجلس الوزراء»، لكن لم يتفق الجانبان على العرض «لحسن حظنا» يؤكد رئيس البلدية. سريعاً، يعود بو حبيب إلى مشروع الغولف كاشفاً عن «حصوله على موافقة أكثرية أبناء البلدة».

ابن البلدة السفير عبد الله بو حبيب يحمل الرؤية نفسها. كذلك، المهندس كامل عازار. هذا الأخير يشير إلى خيار ملعب الغولف على أنه «الأقل سوءاً بين كل ما يعرض». يدرك عازار أن للمشروع أضراراً بيئية ومن خلال قطع أعداد كبيرة من الأشجار، فضلاً عن حاجته إلى كميات كبيرة من المياه والمبيدات، غير أنه يلفت إلى أن «لبنان لم يخترع هذه الرياضة وهذه الملاعب تتبع معايير دولية محددة، وبالتالي، ما علينا إلا اتباعها».

في السياق نفسه، يعتقد عضو المجلس البلدي لبيب ناضر، أن «هذه المساحة ليست محميّة جبل موسى، بل هي عبارة عن أراضٍ مشوّهة بسبب استخدامها من قبل العسكر. النسبة التي يمكن أن يقلق عليها الحريصون على البيئة لا تمثّل أكثر من 10% من المشروع». يقلّل ناضر من أهمية أنواع الشجر التي ستقتلع «لأنها ليست أشجارا معمّرة ولا تحمل ثماراً، لأنه صنوبر بري».

في هذا الإطار، تدعو المهندسة الزراعية هالة الهاني إلى عدم مقارنة الأثر البيئي بين ترك تلك المنطقة كما هي الآن وملعب الغولف، لأنه لا مقومات لديها لكي تصبح محميّة. وبالتالي، فإن استثمارها أمر محتوم. وترى أن «احترام المعايير الدولية يزيل المخاطر البيئية، والأهم من كل ذلك هو الرقابة. فالسماد المستخدم مثلا، يمكن أن يكون مضرّاً أو يمكن استخدام سماد من المواد العضوية». عند هذه النقطة، يشدّد عبدو سلامة، المتخصص في الكيمياء، على أن المواد التي تستخدم للحفاظ على الأعشاب تضمحلّ قوّتها مع الوقت، وكل ما لا تضمحل قوته بات ممنوعاً عالمياً. أما المهندس رشيد أبي حبيب، فيؤكد أهمية الحفاظ على البيئة الاجتماعية أيضاً، مشيراً إلى أن «ملعب الغولف يسهم في ذلك لكونه يوفّر على المنطقة 3500 وحدة سكنية».

وبحسب المسؤول عن دراسة تقويم الأثر البيئي مازن حنّا، فإن مساحة المشروع البالغة 521689 متراً مربعاً، تتسع لإنشاء 107 مبانٍ على الأقل. هذه النقطة كانت محور تركيز حنّا خلال لقاء مفتوح عُقد مع أبناء بلدة رومية السبت الماضي. في هذا اللقاء عرض حنّا خلاصة دراسة الأثر البيئي التي أجرتها شركة خطيب وعلمي، مشيراً إلى أن المشروع البديل، أي المباني الـ107 ستتضمن نحو 3500 وحدة سكنية، ما يولّد الحاجة إلى 69 ألف متر مربع من الطرقات المزفّتة، و4100 متر مكعب من المياه يومياً. وينتج المشروع السكني المفترض، 3500 متر مكعب من المياه المبتذلة، ويستهلك كميات من الكهرباء، فضلاً عن حاجته إلى عمليات الحفر والقلع إلى جانب الزحمة التي سيسببها بسبب عدد السيارات الذي يقدر بنحو7000 سيارة.

في المقابل، فإن إنشاء ملعب غولف يحتاج إلى 18 حفرة، إضافة إلى ممرات جانبية ومحطة معالجة المياه المبتذلة، يلغي المخاوف من الحاجة إلى المياه لري العشب الأخضر. غير أن الدراسة لم تتطرق إلى المراحل التالية للمشروع التي قد ينتج عنها إنشاء فندق ومركز اجتماعي ومركز طبي. ووفق حيدر، فإن المياه المبتذلة التي تمر على أوتوستراد المتن السريع ستخضع لمعالجة ثلاثية، ثم تستعمل لري العشب «لن تكون شبكة مياه الدولة هي مصدر مياه الري».

أما بالنسبة إلى قطع الأشجار، فقد اعترفت الدراسة بأن هذا المشروع أكثر ضرراً للثروة الحرجية من المباني، لكنها أشارت إلى أنه، مقابل كل شجرة ستزال، ويقدر عددها بما بين 30 ألف شجرة و40 ألفا، سيقدّم المشروع 6 شتلات إلى وزارة الزراعة، فضلاً عن زراعة ما بين 25 ألف شجرة و30 ألف شجرة.

لكن، ماذا عن تغيير النظام الإيكولوجي للمنطقة؟ يجيب حيدر: «هذه المنطقة لا قيمة زراعية لها، بل هي مؤلفة من الصنوبر البري، ومن خطوط التوتر العالي. أما النبات النادر، فسيحفظ في حضانة ويعاد دمجه في ملعب الغولف بعد انتهاء المشروع. السماد سيكون من المواد العضوية ولن يؤذي البيئة».

لم تشهد الجلسة نقاشات حادة، ولم يقتصر الحديث على الشق البيئي فقط، الذي أراد منظمو اللقاء أن يحصروا النقاش فيه؛ فعندما اقترح أحد الأهالي إنشاء مشروع رياضي أكثر فائدة للمجتمع المحلي، بحيث لا يكون فقط لنخبة من الناس ولهواة الغولف القليلين، جاء جواب حيدر: «نبحث اليوم في هذا المشروع الذي عُرضت علينا دراسته». ثم أخذ رئيس البلدية الكلام، واعداً بإنشاء مشاريع كهذه على مشاعات البلدة، ومطالباً بحصر الموضوع في جوانبه البيئية الصرفة».

لكن في البلدة ثمة من يسوّق للمشروع على أنه أحد أوجه تنمية الثروة في البلدة. يأتي هذا الكلام على قاعدة أثر المشروع على أسعار العقارات، التي سترتفع بمجرّد البدء في المشروع، الذي يسعى إلى استقطاب الشرائح الاجتماعية الأكثر ثراءً، وستنتج عنه سلسلة من النشاطات الاقتصادية الموازية، الساعية إلى شراء أرض أو استئجار أرض أو إنشاء عقارات لهذه المشاريع... في المحصّلة، فإن المشروع يخلق منطقة، أو مكاناً ذا مواصفات معينة، وهذا وحده كفيل بتحفيز كتلة من الطلب الإضافي على كل شيء، وأبرزها العقارات التي تعدّ مصدر الأرباح الريعية الأكبر في لبنان.

الاخبار 
Script executed in 0.025712013244629