رداً على سؤال التعريف عن شخصية المخترع اللبناني عبدالله ضو وسيرته، يقول: "أنا مواطن لبناني بسيط، نشأت في عائلة تسعى للقمة الحلال، الوالد كان تاجراً ووالدتي كانت تساعده، فتح تجارة في سورية (الشام) وعمل في مجالي الصناعة والتجارة في لبنان لفترات طويلة، وكان العنوان العام لسيرة الوالد "مخافة الله" وكان يزين ويقيس الأعمال بتلمّس رضى الله..
اذكر عن طفولتي أنها تأثّرت بعدة امور، فشخصيتي عايشت جملة امور، على سبيل المثال مذ كنت في السادسة من عمري، في إحدى المرات كنت نائماً في منتصف الليل.. وإذا بالسرير المصنوع من الحديد، "يتمرجح" شمالاً ثم يميناً ليصطدم بالحائط.. سألت والدتي عن السبب، أجابتني بأن الحكومة والمعارضة يطلقون الرصاص والقذائف على بعضهم بالدبابات، طالبة مني العودة الىالنوم ببساطة..
يعلّق الدكتور ضو: "فهمنا أنّه يوجد حكومة ومعارضة وأنّ لغة الحوار في لبنان هي الدبابات وذلك في العام 1958.. وهذه كانت أول "نقزة" لي في هذه الحياة.. بعد ذلك سمعنا أنّ الناس يُقبض عليها لتوضع بالسجون، وأنه لا يوجد بيت نزوره الاً وأحد افراده داخل السجن.. الوالد، أو الإبن أو العم.. استفهمنا عن الموضوع فأجابوننا بانّه يوجد انقلاب على الدولة وكان ذلك في العام 1961..".
هل عليك أن تقاتل؟
ويضيف الدكتور عبدالله ضو: "في العام 1964 وما بعده، كنا نستمع لخطابات كثيرة، وكان الرئيس المصري عبد الناصر يقول أنّه سيتمّ تحرير فلسطين، وكنا نُشحن، وفي العام 1967 طلب منا طلي النوافذ باللون الأزرق، ووضع على السيارات شارات زرقاء، واذا بلحظة تحطّم كل شيء أمامنا.. وفي يوم 6 جزيران الساعة 5 صباحاً، كان الحديث أننا حققنا أمراً هاماً على مستوى الصراع مع اسرائيل، وإذا بنا في الساعة الثامنة من نفس اليوم، تبددّ كل شيء اسمه "عربي"، حصل انهيار بالكامل.. الخضّات توالت علينا ونحن هنا في لبنان الجسم الطلابي حساس جداً، وفي تلك الأيام كنت تلميذاً في المدرسة، وكان الطلاب يتحركون بقوة.. فبدأت أفكّر بمسائل معينّة.. "أين وضعنا الرب؟" ما طبيعة البلد الذي ولدت فيه؟ ماذا يعني المستقبل وما هي افقه؟ كيف عليك بناء حياتك؟ هل تريد ان تتزوج؟ وهل عليك ان تقاتل مع الذين يتحمسون؟ وإذا بهذه السنوات تمرّ، واصبح للأشهر في لبنان ألوان.. ايلول اسود و... ودم، ولم يعد هنالك من حديث الاّ عن القتل، وانا كشاب أسمع اغنية "لبنان يا قطعة سما" فاصبحت دماراً والواناً مختلفة.. فوجدت أنّه لا يوجد مستقبل في البلد، ووجدت أنه يوجد ضياع لدى المتابعين الشأن السياسي، ولا احد يستطيع أحد ان يغش لا طفل ولا شاب ولا كهل، إذا تمتّع أي شخص بحسّ سليم وفطرة سليمة، يمكنه ان يلاحظ "الصح" من "الغلط.". ثم دخل علينا حشد فلسطيني هائل على لبنان، وكنا نراهم في الشوارع وباسلحتهم، فسألنا عن القصة، فقالوا لنا أنّهم يريدون تحرير فلسطين من لبنان..
اتهامات مضحكة
ويتابع عبدالله ضو حديثه: "ok حسناً لعله تتحرّر فلسطين انطلاقاً من بلدنا.. وبرأيي كل هذا ناتج عن ضياع بوصلة عند اجيال تَحكم، وأجيال تُحكم، وانا كنت انظر بذهول للذي يحصل بيننا.. وفي العام 1973 استفقنا على اعادة سيناء من جهة وعلى خسارة الجولان.. لا اريد ان اتحدث بالسياسة ولكن الظروف السياسية كانت مؤثرة على نشأة أي شاب.. مواضيع التنزّه والسهر مع الفتيات أو النزول الى شاطئ البحر امور هامة ولكن بالنهاية الذي يكوّن شخصيتك وعقلك الباطن من الداخل ووجدانك وأنت تنمو كشاب هي مثل هذه الظروف الكبيرة، واذا بنا أيضاً في عام 1973 تظهر الإشتباكات بين الجيش اللبنانيين والفدائيين الفلسطينيين.. وفي تلك الأيام بدأوا يطلقون تسمية "حركة وطنية" وعلى الآخرين "حركة مش وطنية".. وهي اسماء مضحكة لإنقسام مسيحي مسلم في البلد.. واذا اردت تسمية المسيحي رجعي أو ليس وطنياً، عليك أن تسأل عن مؤسسي الصحافة في مصر.. وعن الذين نهضوا بالعرب (النهضة العربية) وعن الذين أوقفوا "تتريك اللغة" أليس المسيحيون أمثال فرح انطون وسليم تقلا ويوسف الخازن وشخصيات أخرى في منتصف القرن 19!!، فلماذا هذه اللغة؟ وما دام سيدنا يسوع قبل سيدنا محمد بـ600 سنة.. فكيف اصبح المسيحيون ضيوفاً وهم الأقدم؟؟ الأمور لم تكن بالنسبة لي "راكبة".. فكان دماغي يقول، هذه الأمور لا تعبّر عن ضمير وطنك؟ ليس ما تراه أو تسمعه هو وجدانك الحقيقي، بدأنا نقرأ ونتابع ونتعلّم.. ومع تعلمي قليلاً من الفيزياء والكيمياء والهندسة، وجغرافيا.. سألت أين يجب أن نطبّق ما نتعلمّه.. وكانت "البوصلة" ضائعة..
ويقول عبدالله ضو عن سيرته مذ كان شاباً: انخرطت بالعمل الطلابي، وكان لي دوراً كبيراً بالعمل السياسي، ولكن العمل الطلابي والسياسي تحوّل الى عمل عسكري فيما بعد، ودخلنا بحرب أهلية، وبدأنا نرى أموراً لا نحلم بمشاهدتها في عامي 1975/1976، وما لا تقبله النفس، ولنترك العقول وتحليلها، الثابت بالتاريخ رغم كل شيء العواطف البشرية، وقبل كلّ الفلسفات لا يمكن ان ترضى بما تراه.. وكنّا نلمّ بأيادينا جثث اناس يقتلون.. هذه الأمور لم تكن لتركب في دماغي، فكانت هذه المرحلة بما أنا عليه من تفكير.. وكان دوري على ما هو عليه ليس كبيراً للغاية ولكنّه أيضاً ليس بقليل.. وسعيت تغيير ما حولي فلم أكن قادراً.. وخصوصاً وأنّ المجتمع باكمله يقود المحدلة.. والناس كانت تسير بلا وعي ووفق تبعيات.. فقررت التوجّه الى الكويت في العام 1966، واسست عمل والله وفقني، وكَبُرت أعمالي.. وما ان تنفسنا الصعداء، واذا بنا نرى الجيش الإسرائيلي داخل بيتنا وعلى الدرج.. وبدأنا نفقد لبنان.. وفي العام 1982 كتبت مقالاً وطلبت نشره في جريدة "الأنباء" وكان رئيس تحريرها "خالد قطمة".. وكان يقول أنّ الإنتصار العربي في لبنان قادم، وكنت ارى ان الإسرائيلي لا يمكنه ان يبقى في لبنان لساعة واحدة.. وفي أول يوم كانوا يضحكون عليّ، ولكن بعد مضي يومين نشروا لي المقال..
فكرة "الجزيرة العائمة"
يعتبر عبدالله ضو أنّ العام 1982 كانت سنة مفصلية بالنسبة له، "كان صدام حسين في حرب مع ايران، ولما كنت في الكويت كنت اسمع دويّ المدافع، وكانت ساحة المعركة بعيدة عنا حوالي 40 كلم.. وكان يُقال أنّ احد المحاربين سيأتي الى الكويت.. وكان عملي الذي اسسته بالإتكال على ذاتي ومن جنى عمري.. مرتبط بـ1000 إنسان واكثر.. ومنذ تلك اللحظة تكوّن لديّ فكرة "الجزيرة العائمة".. وهنا ندخل بالإقتصاد.. لأنّي اعتبرت أنّه لا يمكنك تكوين اي شيء له منافسة لأنّ الأسواق العالمية مشبعة بالأعمال الضخمة التي لا تُنافس.. وكانت الفكرة، وكانت مستحيلة..
ويشير عبدالله ضو: "كنا نتساءل.. الى اين سنذهب؟ واكمل لبنان سنواته، واتمنى الاّ تُذكر والاّ تُعاد، وأنا على اثر عام 1982 قررت اقفال عملي نهائياً في الكويت، لأني كنت ارى نتيجة استشراف وقراءات وتحليل أنّ قصة الكويت طويلة.. وإذ ما هدأت في لبنان لن تهدأ بالكويت.. لأنّ البلاد مرتبطة ببضعها.. فالأفضل يا سيدي أن تموت ببلدك.. أو أقلّه اذهب الى وطنك وعمل ما الذي تريده رغم الظروف.. وكنت أنا وزوجتي (نوال شهيب) متخذين قرار (اقترنت بها في العام 1980) أننا في حال رزقنا الله بابناء، فنحن عازمون على ان يخلقوا أبناءنا في لبنان مهما كانت الظروف، وهكذا ولد سومر في لبنان في العام 1983، وقبل أشهر من حرب الجبل، وولدت "سوار" كذلك في وطنها.. وكنا سعداء بأن ابناءنا ولدوا على ارض وتراب لبنان.. وعن هذا الموضوع بامكاني اختصار الفكرة بمحاضرة القيتها في إحدى الجامعات، وكان عنوان المحاضرة عن ازمة الصراع مع اسرائيل.. وتضمنت محاضرتي قولاً مفاده أني أفتخر بانتمائي لهذا الوطن، واخجل من انتمائي لهذا الجيل.. فلا يغبّر على فكري ما يمرّ به الوطن.. "وإذا غضب الله على قومٍ، جعل سافلهم عاليهم، وعليهم سافلهم"، وهذه المراحل تمرّ على كلّ الأوطان.. فانتمائي للوطن لا يتأثر بواقع مفروض علينا من خلال تمويل خارجي.. وبدأت أعمل لفكفة بحثي "الجزيرة العائمة".. واخذ حوالي بحث 14 عاماً من الدراسة، وكنت عهدت عملي بالكويت لأشقائي.. وبعد الوصول الى نتائج طيبة نظرياً في العام 1997، وضعت نموذجاً فعلي بعد استغراق عمل حوالي 380 يوماً، وكنت اتفرّغ للعمل له نهائياً ليل نهار.. وحولّت منزلي لمشغل.. ومع نجاح النموذج الخاص بي، واجراء التجارب عليه بدأت بتسويقه، وها نحن اليوم نسعى تطبيق أول مشروع في العالم في لبنان..
"حسكة" البحر
الحرب العراقية – الإيرانية في العام 1982 كانت دافعاً للبدء بتنفيذ المشروع، يقول المخترح عبدالله ضو: "وكنت اسحب كلّ 3 او 4 اشهر، كمية كبيرة من الأموال النقدية (Cash) ونودعهم في المنزل تحسباً لإختلال الوضع في الكويت.. وكنت اسأل.. اين سنذهب ولبنان يتهدّم؟؟ الكويت مقبلة الى مشاكل وكنت اقول ذلك لأصحابنا رجال الأعمال في الكويت.. وكانت ظروف الحياة تصعب على العائلة، سيما وانه بدأت بتكوين عائلتك الصغيرة، كما الكبيرة، وعلى الجميع ان يعيش بكرامة.. ومن لا يملك ثروات كان يتوجب عليه الكدّ.. ونشأت الفكرة أن "الحسكة" التي تجدّف بها على شاطئ البحر، فكنت اتساءل عن امكانية توسيعها لتتسّع لحوالي 1000 شخص او 2000 شخص.. فدرست الجدوى الإقتصادية، فظهر لي أنّها مجدية جداً.. وفي تلك الأيام وضعت كتاباً عن "المبادئ الأولى في ادارة المشاريع المقاولات"، وكانت تتضمن الجدوى الإقتصادية وتحديد اكلاف.. فظهر لي أن الربحية عالية جداً.. والإختراع هو "الفكرة التي تضيف قيمة عالية للمادة الخام المستخدمة" اي ان تصنّع شيء بقيمة مثلاً دولار واحد ليصبح سعر بيعه بربحية أكبر.. وهي تختلف عن ربحية التاجر (الفوائد).. إضافة الى ذلك أنّه يجب أن يكون الإختراع بهدف سدّ حاجة انسانية.. والربحية المطلوبة مطلوبة كون المشروع غير مسبوق والناس في العادة "عدو ما تجهل". فلكي تجتاز هذه العقبة المطلوب تحفير المستثمر بهذه الطريقة، فدرست حاجة البشرية لتكوين نموذج عائم في البحر على ان يكون مستقراً.. كأن يُبنى عليه.. وبرأيي أنّ الموضوع بحاجةاليه لأسباب كثيرة، ولأنّ خلاصة ابحاثي كشفت أنّ المردود المالي مرتفع، تساءلت عن السبب في عدم المضي بمثل هكذا مشاريع، فوجدت أنّه يوجد معضلات هندسية لم تًحل.. ومستحيل انجازها.. وبدأت معالجة الموضوع، وتبدأ الأمور بتعريف المسألة التي يجب حلحلتها وفكفكة عقدها.. وكنت لسنوات افتش عن المعوقات التي تحبط امكانية بناء هكذا نموذج؟ وهذا الأمر استغرق وقتاً طويلاً وصمتاً من قبلنا.. وكنت مع ورود الفكرة لذهني، استفسرت علمياً من كبار الشركات العاملة في الهندسة البحرية في الخليج، وكان الجواب من كبار المدراء على اسئلتي.. أني بدأت أصيب بالإختلال العقلي.. لأنّ كان عملي مختصاً في المقاولات والبناء على اليابسة.. ومع استفساري اكثر.. كانوا يهزئون بي لدرجة عدم الإكتراث..
15 عام لحلّ الموضوع فكرياً
حلم عبدالله ضو وعناده، جعله يفكّر بالموضوع اكثر، وبدأ يدرس مسألة المعضلة التي تعيق بناء هكذا، نموذج، "في حينها كنت مضطراً على العمل للإهتمام بعائلتي وولديّ لتدريسهما في مدرسة تليق بهما، إضافة الى مصاريف الحياة.. وكنت في أوقاتي "الضائعة" ابقيها لعمليات البحث والتفتيش والتفكير والتأمل.. الى أن حلّت المسائل بعد مضي 15 عاماً.. وفي العام 1997 تبيّن لي أنّ كل شيء سليم، ومع انشائنا نموذجاً عن المشروع، تمّ انزاله في البحر في العام 1998.. وثبت صحتّه الهندسية.. وبدأنا ندرس مسألة الجدوى الإقتصادية مع شركات متخصصة، ووفق دراسة للجامعة اللبنانية لثلاث طلاب وعلى مدار عام كامل، جاءت نسبة الجدوى الإقتصادية 42 %، (معدّل العائدات الداخلة) ، وعادة ما يكون معدّل العائد الداخلي 9% (إذا كان المشروع هام).. وكانت تُقبل المشاريع بوجود نسبة 7 أو 8%.. وفي لبنان لم يحصل مشروع يحظى بنسبة 12%.. وعالمياً هذه هي النسبة المطلوبة للبدء بتنفيذ مشروع جديد.. وكانت وفق دراساتي نسبة الجدوى الإقتصادية تصل الى نسبة 40 او 45%، ولهذا السبب أدخلنا في الموضوع شركات عالمية متخصصة، وكانت النتيجة تصل الى 28 أو 35% و45%.. وهذا يعني مع توافر نموذج حي يعني أنّ الإستثمار هام جداً.. وجاءت نسبة استفتاء الناس 92% داعمة وراغبة فيه، فيما البقية 8% لم تكن ترفض المشروع بحدّ ذاته، بل كانت تخشى الصعود الى البحر..
سياسيون طارئون وعقل جبار وتهديدات
مع توافر الجدوى الإقتصادية والوصول الى دراسات عملية.. دخلنا في استثمارات وعقدنا مشاريع منذ العام 2000، يقول عبدالله ضو أنّ مخلفات الحرب اللبنانية التي وصلت الى مواقع قرار سواء بالحياة الإقتصادية او في الحياة السياسية كان لديها خلل فكري حول كيفية بناء الأوطان.. وكيف تُبنى الدول والمكاسب.. كل انسان يعمل عليه ان بفكّر بكيفية أن يكتسب لا أن يخسر.. وبامكان الإنسان ان يكتسب باستخدام عقله بالطرق الإيجابية، والعقل جبار، ولكن المشكلة انّه في السياسيين والإقتصاديين الذين طرئوا.. جاءوا ليمارسوا اعمالهم بعضها بالحلال وبعضها الاخر مع تجارة السلاح او المخدرات او الأحياء.. وهذا الأمر من المعيب الا يُذكر..
ويضيف: "هذا الجو العام ادّى الى "قهر" وتدمير امكانية انشاء فكرة "الجزيرة العائمة" في لبنان لسنوات طويلة، وكان ان يقضي علينا شخصياً وعلى عائلتي وعلى بيتي.. وكادت تتفكك العائلة تحت وطأة الضغوط التي كانت تُمارس علينا، ونحن لا نحب ان نقوله حتى لا نتذكّره حتى.. وكان يوجد لدي قرار أنّ الحرب عشناها والرصاص مرّ بجانبنا.. ولدي ثياب تحمل شظايا قذائف، وكان الله يريد لي الحياة، وابن العشرة اعوام لا يموت ابن تسعة أعوام، وفي النهاية إذا نظرت الى الوطن فانت ترى مستقبله من خلال ابنك وابنتك.. وبالتالي الله كلفني ان أؤمن لهما مستقبلاً لأبنائي في البلد الذي ولدا فيه.. ولا يجب تحميلهما "شنطة" ليدورا في العالم.. وكل من سيمنع امكانية مستقبلهم علينا تحميله المسؤولية، وإذا أضفنا الى ابني وابنتي، أبناء وبنات أهلي وجيراني الذين يمتلكون قدرات استشرافية ولديهم قدرة التغيير والله اعطاهم "البساطة" ولهؤلاء بشّر السيد المسيح المحبة من خلالهم، (هم الرعاة الصالحة)، الله يضعك في موضع مسؤولية على قدر امكانياتك، وكان قراري النهائي بالمواجهة مهما عظمت الأكلاف.. وقلت بنفسي أنّه يجب العمل ما يتوجّب عليّ والبقية سأتكل بها على الله .. ونحن اليوم في صدد بناء جزيرة عائمة مقابل حارة صخر في جونية..
وين صار المشروع
بدأنا بدراسة تصاميم المشروع في العام 2004، واستهلكت الأبحاث والحصول على موافقة هيئات الملاحة الدولية حوالي 5 سنوات.. والبحر ليس كما البرّ بامكانك اخذ رخصة من نقابة المهندسين لتباشر بالأعمال.. في البحر كل ما يُبنى فيه عليك أخذ شهادات من احدى هيئات الملاحة الدولية المعتمدة في العالم، والهيئة الملاحة هذه بعالمنا الحاضر موزّعة بحسب سيادات الدول، على المكتب الاميركي للملاحة في اميركا وشركات اخرى في بريطانا والمانيا وفرنسا وايطاليا، واليابان.. وهذه الشركات هي اسياد الملاحة البحرية في العالم، وكان لا بدّ لنا حصول على موافقة من إحدى هذه الهيئات العملاقة في الشأن الملاحة البحرية.. كون هندسة "الجزيرة العائمة" نموذجاً غير مسبوق.. واستغرق عملي هذا 15 عاماً لبناء الهيكل العلمي..
فنياً
برأي عبدالله ضو: "الجزيرة العامة لا يمكنها ان تكون على شاكلة السفينة، فالأخيرة تتأرجح مع الأمواج بدون مراعاة راحة المسافر على متنها، والمطلوب فقط الا تقع رأساً على عقب.. وقد تنحني أو تتأرجح 30 درجة.. وإذا ارتفع الموج وقوي الريح بما يتجاوز معايير الهندسة للسفينة سواء كانت كبيرة أم صغيرة، عندها ستُقلب السفينة رأساً على عقب.. أمّا بخصوص هندسة الجزيرة، المطلوب عدم التأرجح بهذا القدر بداية، والمطلوب ثانياً عدم امكانية ان تقلب الجزيرة نهائياً ولو بنسبة 1%.. والمطلوب ان يكون التأرجح مريحاً للإنسان.. وعندما نقول جزيرة عائمة، نقصد بذلك تأمين الراحة للطفل وللكهل وللمرأة أو أي الشابة التي تريد انتعال "كعباً" عالياً.. ونحن نطمح اليوم بناء مسكن دائم في امكنة غميقة حيت تنعدم امكانية الردم.. واليوم ثلثي البحار لا يمكن ردمها وحاجة الناس لها ملحّة في كثير من البلدان.. وكانت اول عقبة بالنسبة لي أنّ من صممّ هيكل السفينة وهم الفينيقيون، هو نفسه النموذج المستخدم حتى الآن رغم مضي آلاف السنوات، ولوقتنا الحاضر لم تتبدّل الأمور.. وهذا الكلام اقوله على العلن وعلى الهواء، وهو كلام مسؤول.. ومع بناء سفينة بهذا الشكل حكماً هناك واقعة لا يمكن تجاوزها.. بحيث سيكون مركز الثقل فوق مركز "العوم"، ومركز "العوم" هو المركز الجغرافي للفراغات التي تسمح لهيكل السفينة بأن تعوم وفق قانون "ارخميدس".. والحجم مقابل الوزن يفرض على الدوام ان يكون مركز الثقل فوق ومركز العوم في الأسفل.. وسواء كانت السفينة من خشب أم من حديد او اي شيء آخر.. هذه هي معادلة استقرار السفينة ولا يمكن تجاوزها..
قلب المعادلة العلمية
أمّا بخصوص الجزيرة العائمة، فقد استغرق العمل سنوات لكي يصبح مركز الثقل تحت ومركز العوم فوق.. وهذا النموذج يتطلب تفكير تفكيك السفينة.. عليك بناء شيئاً آخر، يقول الدكتور عبدالله ضو: "لا جسر السفينة بقي جسراً ولا خزان الماء بقي خزاناً للماء، ولا نموذج هيكل السفينة.. ولا سطح السفينة ولا مقدمة السفينة عليه ان يكون على شاكلة "سكينة" لإختراق الموج.. ولكي يُسمح لنا بناء نموذج جديد لم يُبتكر كان علينا الحصول على موافقة هيئة ملاحة دولية وأن تقرّ بصحة هذه النظريات المبتكرة من قبلي.. وشخصياً اخترت هيئة الملاحة الفرنسية التي تعتبر الأكفأ في العالم، وتدعى اسم الشركة "bureau veritas" وقد سلمناهم المخططات.. وتمّ دراستها بعناية في شباط 2005 بعدة مكاتب لها في العالم.. لأنّ مكونات المشروع من عدة مواد مركبة.. وبعد دراسات لمدة 6 اشهر دعيت الى اجتماع في باريس، وقد حضره مدراء اقسام الشركة "bureau veritas" الثمانية، أو من ينوب عنهم (نائب رئيس الأقسام).. بالإضافة الى 4 مهندسين كبار.. أما من جانبنا فكنا 3 أشخاص، مستشاري الهندسي الأول الدكتور شبلي أبي شاهين (مهندس)، وسومر (ابني) المتخرج حديثاً قبل اسبوع من جامعة الـ"aub" على الإجتماع وانا، والإجتماع دام لثماني ساعات..
تفسير فلسفة معادلة الفينيقيين
وهنا يجب ان يعرف اللبنانيون امراً هاما، أنّه شركة "bureau veritas" استمعت على شرح فلسفة تصميم بدن السفينة، ولماذا الفينيقي بنى السفينة بهذا الشكل.. لماذا لم يبنيها صندوقاً مربعاً.. لماذا لم يبنيها على شاكلة كرة.. وأنا كنت اشرح لمهندسي الملاحة البحرية في العالم عن مسائل هم أخصاء بها، وكنت مع شرحي للموضوع اسألهم عما إذا كانوا يريدون أن أبدأ بشرح نموذج الجزيرة العائمة، كانوا يطالبونني باستمرار الحديث عن موضوع كيفية بناء الفينيقيين لنموذج الباخرة.. وكان السؤال يتمحور حول لماذا تمّ بنائها بهذا الشكل وليس دراسة كيفية بنائها، أي فهم فلسفة البناء، وكل هذه الأمور مدونّة في المحاضر.. وبعد ذلك تمّ الدخول في نظرية دراسة الجزيرة العائمة.. وتوجهت بالحديث لرئيس قسم "الإستقرار" في هيئة الملاحة وهو رجل يبلغ من العمر حوالي 65 عاماً، وهو يشرف على حوالي 2000 مهندس.. سألته عن مجموعة مجلدات التصاميم والنظريات الهندسية الذي يستند عليها، لأشير اليه أنّ نظرية ثقل السفن التي تستند على أن مركز الثقل فوق ومركز العوم تحت مع الجزيرة العائمة تتبدّل النظرية ليصبح مركز الثقل تحت ومركز العوم تحت.. ولأبسط المسألة لغير المختصين، اعطي مثل البالون الموضوع في الماء ولنعتبر أن حجمه كبير بحيث يكون وزنه 5 كلغرامات.. فاذا وضعنا عليه عامود باطون بوزن 100 كلغ.. عليه فوراً أن يستدير الى اسفل.. ليأخذ وضعية البالون فوق والعامود اسفل.. لأنّ مركز الثقل هو تحت ومركز العوم فوق.. أمّا إذا قلبنا المعادلة بحيث اصبح مركز الثقل فوق ومركز العوم تحت.. عليك اختراع الف مسألة وهذه هي فلسفة نظرية "الجزيرة العائمة".. ومع البدء بشرح نظريتي.. نظر المدير المسؤول برئيس الإجتماع (كنا 15 عشر شخص يحضرون الدراسة) ليقول له، بالنسبة لي لا يوجد شيء اقوله.. إنتهى الموضوع وغادر الى مكتبه..
معادلات علمية جديدة
بالنسبة للمهندس الإنشائي، المختص بموضوع "المنشآت الهندسية المتقدمة أو المتطورة" شرحت له روحية مزج المواد المركبة أي "fiberglass" مع الحديد، وعن عملية توزيع الإجهادات الهندسية من الحديد الى "fiber" والـ"fiber" الى الحديد ليعمل كلّ عنصر عمله ليبقى المبنى متماسكاً وعائماً.. وانتقلت لشرح كلّ قسم من الأقسام لأننا نحن مستخدمين لقاعدة ليست معتمدة من قبل.. والكتب الموجودة بحوزتهم لا تصلح لدراسة هذا نموذج..
وبعملنا هذا قلبنا مقاييس دراسة الهندسة الملاحية البحرية.. لأننا وضعنا قواعد علم جديدة للهندسة البحرية، وفي آخر النهار بعد مضي 8 ساعات، يسألني المهندس المختص بالـ"fiberglass" عن عدة امور معقدة وكنت قد أجبته على كلّ تساؤلاته.. وكل الأسئلة لا احد يمتلك أجوبة عليها الاّ نحن.. وفي آخر سؤآل وجهه لي لم أردّ عليه رغم الحاحه وازعاجه من عدم الردّ عليه.. وأنا هناك "كأني مشمرّ، في وكر دبابير وأقول على الله التقدير.." عمري كلّه وتعب حياتي وضعته على المحك..
ومع ترداد السؤال عليّ ثلاث مرات.. ووجود التذمّر.. قلت له "استاذي.. شرحت لكم وعلمتكم ثماني ساعات من دون مقابل، لهذا السؤال لأعطيك الجواب عليك أن تدفع one euro لاعطيك الجواب، وبالفعل أخذت مبلغ "يورو" واحداً لأجبيبه.. وانتهت المحاضرة بأنّ كلّ الحضور وافق على صحّة الهندسة للجزيرة العائمة.
أول جزيرة عائمة في العالم "جونية"
وانطلقنا بجونية.. وفي العام 2009 بنينا المشاغل الخاصة بنا.. وجلبنا المعدات.. والمواد.. والمسألة المذهلة تعلقت أيضاً ونحن نشتري هذه المواد وبكميات كبيرة.. استغرقت مراسلاتنا 7 اشهر ليقتنعوا بأننا جادون في طلبنا.. لأنّهم كانوا يظنون أنّ لبنان ليس بلداً صناعياً.. وهنا كنت قد بنيت منزلي ((Villa)) من "fiberglass" الإنجاز العلمي غير المصنوع في العالم.. وبهذا الخصوص كان قد أقيمت اختبارات مكثفة في المانيا وفرنسا وباءت كلّها بالفشل.. وكانت الكلفة باهظة جداً وتقنياته لم تؤدي الغرض.. عندما ذهبت الى مكتب مستوردي شركة "fiberglass" ومكتبهم الرئيسي في ايطاليا، سألت مدير المبيعات عن سبب عدم فبركة بيوت من الـ"fiberglass" لأنّه يرفع من حجم المبيعات، فكان جوابه أنّه لا يمكن فعل ذلك.. وأنّه لا ضرورة للتفكير بالموضوع.. وعند وصولي الى الشركة وضعته بنموذج الفيللا الخاص بي، واذا به يجمع كافة مدرائه.. واليوم هم يزودونني بالمواد بكلفتها من دون ربح تقديراً للجهود التي بذلتها في هذا المجال.. وهذه البضاعة يمكنها تزويد السوق اللبناني لمدة 3 سنوات..
ويقول الدكتور عبدالله ضو: هذا الأمر ايضاً عانيناه مع شركة بناء قساطل الحديد.. أو انابيب الحديد، وهم يبيعون حوالي 12 مليار دولار في العام..
مكنة صنعت خصيصاً للنازا
يكشف ضو أنّ 50% من العمل تمّ انجازه، المواد كلها توفرت.. وهناك معدات استقدمت للمرة الأولى الى الشرق الأوسط.. ولدينا مكنة معدّة للفّ الصاروخ الذي يصنّع في الNASA لارساله الى الفضاء.. وهذه المكنة موجودة فقط في اميركا وعندنا.. وهي تتميز بدقة عالية..
يعلّق ضو: أتينا بالمكنات والكمبيوترات الهامة، ولكن ماذا فعلنا بها.. نحن نفتخر بما لدينا من امكانيات في بلدنا.. "شبيبات" تبلغ من العمر 24 عاماً أو 25 عاماً.. (في ورشتنا 22 مهندساً) غيروا كلّ شيء في المكنة.. جاءت تتحدث لغة اليوم اصبحت تتكلم 10 لغات.. تمّ تطويعها.. لدينا مراسلات من الشركات المنتجة تستغرب كيفية تشغيلها من دون الخبراء الذين صنعوها.. ويظنوننا شركة عملاقة ونحن هنا مجرد شبان تعمل بحماس.. ويضيف ضو: الشاب اللبناني اعطيه فرصة حقيقية فقط ليظهر نفسه بصدق وامانة وترى عظائم الأمور..
عن نزول الجزيرة العائمة ضمن المياه اللبنانية، يشير ضو، الى كلام السيد الشيخ بو حسن عارف حلاوي "الله يردّ عليك ولاد الحرام" وسيدنا البطريرك الراعي بعد استقبالي لعائلتي، سألني عن رغبتي للإتصال باي شخص لازالة ايّة عرقلة.. هؤلاء ابناء الحلال.. وإذا لم يتدخل ابناء الحرام، أعتقد انّه في مطلع العام الجديد ستكون الجزيرة العائمة في البحر.. مقابل جونية..
تابع للموضوع.. (جزء 2)
لتشاهد الحلقة (إضغط هنا)
https://www.youtube.com/watch?v=0exk4Ep8phg